لا تزال تداعيات إقالة رئيس المحكمة العليا في موريتانيا، وهو بمثابة كبير القضاة، تتفاعل بقوة وسط اتهامات متزايدة للنظام الحاكم بإقصاء وعزل الكفاءات وتهديد استقلالية القضاء.
واتخذت القضية أبعاداً جديدة بسبب دخول المعارضة على الخط ودعمها لقرار تمسّك رئيس المحكمة المُقال السيد ولد الغيلاني بمنصبه ورفضه الاستقالة منه، لتشكّل القضية حلقة جديدة من حلقات تطور الصراع بين النظام والمعارضة.
ووجد رئيس المحكمة العليا نفسه محاطاً بدعم سياسي وتضامن قضائي إثر إصدار غالبية الأحزاب والقضاة بيانات شديدة اللهجة تدعو السلطات إلى "احترام استقلالية القضاء"، مؤكدة تضامنها الكامل واللامحدود مع رئيس المحكمة العليا ووقوفها إلى جانب كل ما من شأنه أن يضمن استقلالية القضاء.
وأعلن ولد الغيلاني تمسّكه بموقفه ورفض تقديم الاستقالة من منصبه، رغم منعه من دخول المحكمة، وهو ما اعتبره البعض بداية صراع بين السلطتين التنفيذية والقضائية في موريتانيا.
وحسب الدستور الموريتاني فلا تجوز إقالة رئيس المحكمة العليا أو إيقافه عن العمل إلا في حالة استقالته، أو إذا أصبح غير قادر بدنياً على مباشرة مهام منصبه.
وقال ولد الغيلاني إن إقالته من منصبه قبل إكمال مأموريته قرار غير شرعي ومحاولة لتقويض سلطات القضاء، مستنداً إلى مواد قانونية تحدد مأمورية رئيس المحكمة العليا وصلاحياته، معتبراً أن ذلك تدخل من السلطة التنفيذية في القضاء.
وأضاف أنه لن يقبل بتركيع السلطة القضائية أو تقويض دولة المؤسسات والسماح للسلطة التنفيذية بالتلاعب به.
ويأتي إعلان ولد الغيلاني لموقفه بعد ساعات من تعيين خلف له، حيث أدى رئيس المحكمة العليا الجديد المحامي يحفظ ولد محمد يوسف، أمام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز اليمين القانونية كرئيس جديد للمحكمة العليا.
وكشف كبير قضاة موريتانيا المقال أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز استدعاه وعرض عليه منصب سفير في اليمن لكنه رفض هذا الاقتراح، وأبلغه التمسك بمنصبه حتى نهاية مأموريته بعد مرور ثلاث سنوات.
وطالب ولد الغيلاني السلطة التنفيذية بالكفّ عن التدخل في سير القضاء، ودعا كافة الموريتانيين إلى مساندة جهوده الرامية إلى إعادة العدالة ودولة القانون إلى موريتانيا.
وانتقدت عدة أحزاب وشخصيات سياسية قرار عزل رئيس المحكمة العليا ووصفته المعارضة بالخرق السافر للدستور، واعتبرت أن "هذه الإقالة إخلالاً بمبدأ فصل السلطات، وحنث لليمين التي أداها رئيس الدولة"، داعية ولد الغيلاني إلى التمسك بمنصبه ومساندته في مواجهته مع النظام.
كما انتقد الرئيس السابق اعل ولد محمد فال إقالة رئيس المحكمة العليا، مشيراً إلى أن القوانين تحدد مأمورية رئيس هذه المحكمة بخمس سنوات لا يمكن عزله خلالها إلا وفق شروط محددة.
وقال ولد محمد فال، الذي قاد انقلاباً على معاوية ولد الطايع وسلّم السلطة لأول رئيس منتخب ديمقراطياً هو سيدي ولد الشيخ عبدالله، أن "هذه الأزمة تأتي لتضيف مؤسسة ثالثة من المؤسسات الديمقراطية إلى قائمة السلطات الفاقدة للشرعية، فبعد أن عاش البلد في ظل مؤسسة رئاسية غير شرعية بدأت بتمرد عسكري فردي، تم تشريعه بعملية انتخابية مزورة، وها هو اليوم يضيف المؤسسة القضائية إلى دائرة انعدام الشرعية".
وأضاف ولد فال أن النظام لم يكتفِ بهذا الحد بل عمد إلى هتك حرم السلطة القضائية من خلال تلاعبه الصريح بقوانينها، وعدم احترام مأمورية رئيسها ولا الشروط القانونية المحددة لإقالته، وإن كان لهذه الأحداث من دلالة فهي أن البلد يعيش أزمة دستورية خانقة تجلت أبعادها في إزالة الشرعية عن المؤسسات الواحدة تلو الأخرى ما أصبح يهدد كيان الدولة.