نسمع هذا السؤال منذ شهور ولا إجابة عنه. لكن كان هناك اطمئنان إلي أن مصر محروسة من الله. وأن شعبها يملك من الإرث التاريخي ما يجعله يحافظ عليها.
بعد جولة الإعادة صارت الإجابة مقلقة للغاية. نسمع لأول مرة عن مخاطر حرب أهلية. بين من؟!.. هل بين أنصار شفيق من جهة وأنصار مرسي من جهة أخري بعد ظهور جبهتين متضادتين تظهران في الفضائيات.. ميدان التحرير الآن. ومدينة نصر الآن. علي النحو الذي شهدناه ليلة السبت الماضي.
أعداد كبيرة وصلت من المحافظات إلي مدينة نصر التي دخلت إلي المشهد التظاهري من باب المنصة التي اعتيل عليها الرئيس الراحل أنور السادات. وهذا لوحده يحمل دلالة كبري.
فالمنصة لم تختر اعتباطا ولا صدفة. إنها رسالة يوجهها أنصار شفيق أو جبهة المنافس الآخر إلي معسكر ميدان التحرير. يريدون القول إن الإسلاميين اغتالوا السادات في ذكري نصر أكتوبر. وإنهم أنصار شفيق والعسكري يأتون إلي المنصة لرفض وصول مرشح الإسلاميين إلي سدة الحكم بعد 31 سنة من الاغتيال.
أي أجواء حرب أكثر من ذلك؟!
تظهر الفضائيات ازدياد أعداد المتظاهرين أمام منصة مدينة نصر. فيرد ميدان التحرير بانضمام الألتراس الكروي الذي غاب خلال اليومين السابقين.
يري المتشائمون أن الانقسام لن يظل متجمدا في الميادين فقط. وإنما قد يتطور إلي حرب أهلية.. معارك شوارع.. تفجيرات.. اغتيالات علي طريقة السيناريو الجزائري.
مصر لا تتحمل استنساخ الحرب الأهلية الجزائرية. وإذا كان في الإمكان تجنبها فلماذا لا يحاول العقلاء والسياسيون؟!
وقد سئلت مرة في إحدي القنوات الفضائية.. هل أنت متشائم؟.. فأجبت بنعم لأن المعطيات الخاطئة تؤدي يقينا إلي نتائج خاطئة. وكثير من المعطيات كان يمكن تجنبها والوصول إلي أفضل منها.
أري علي سبيل المثال أن الحالة الثورية التي تجتاح مصر تستوجب من القضاء أن يتعامل بروح القانون وليس حرفيته. أو بقانون الواقع قياسا علي فقه الواقع. فإذا كان شرع السماء أتاح للمتعبدين أن يراعوا قياس فقههم علي الواقع الذي يعيشون فيه. فلماذا لا يفعل رجال القضاء ذلك بالنسبة لأحكام القانون؟!
روح القانون كانت تستوجب تأجيل حكم الدستورية بالنسبة لحل مجلس الشعب وتبكيره بالنسبة لحالة لقانون العزل الخاص بالفريق أحمد شفيق. لكنهما صدرا في لحظة مفصلية قبل جولة الإعادة بأقل من 48 ساعة. مما أدي لنتائج خاطئة كحل مجلس الشعب والإعلان التكميلي. وهما ورطة لم تقتصر أثارها علي الاحتقان الداخلي. بل أدت إلي موقف دولي رافض بدأ من واشنطن وشمل دول الاتحاد الأوروبي. لدرجة تهدد المساعدات الاقتصادية المقررة سلفا للقاهرة.
من المعطيات الخاطئة سلوك اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. فالكثيرون لا يرون سببا وجيها لتأجيل إعلان النتيجة الرسمية من يوم الخميس إلي الأحد. خصوصا أن الطعون كانت حول ثلاثة صناديق. أحدها تنازل عنه أحد الطرفين.
الانتظار خلق مزيدا من التوتر والاختناق والاشاعات والتسريبات.. ثم قادنا صباح السبت إلي جبهة المنصة التي جاءت بأغاني المزمار البلدي عن شفيق صدحت بها في سماء مدينة نصر. وهو مزمار يخشي البعض أن يتحول بفعل التأخير غير المبرر للجنة الانتخابات إلي رصاص ودمار وهلاك للزرع والضرع والمباني والمصانع.
في مناخ ملبد تجد ماكينة الإشاعات ما توزعه من أخبار لا يبحث مستقبلها عن الحقائق بقدر ما تحركه الفزاعات. قرأنا أن عمر سليمان ترك مصر إلي دولة خليجية وأن ابنتيه لحقتا به صباح السبت وكذلك هرب عدد من رجال الأعمال خوفا من حرب أهلية متوقعة.
نفي كمال الجنزوري رئيس الحكومة في مؤتمر صحفي هروب رجال الأعمال. لكن وصول الإشاعات إلي هذه اللغة المفزعة يعني أزمة كبيرة تقترب من الكارثة الاقتصادية التي تهدد المصريين بنصف مجاعة خلال شهور قليلة.
مصر رايحة علي فين؟.. الإجابة لا نتمناها ولا نتخيلها.
* نقلاً عن "الجمهورية" المصرية